الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

العيد في القرية

العيد فرحة وبهجة ترتسم في عيون الناس جميعاً ، وتكون أكثر وضوحاً ، وتجلياً في عيون الأطفال ، فنفوسهم البريئة التي جلبت على الفرح والسرور هي أكثر فرحاً واستبشاراً من غيرها بالعيد ولياليه ، فطفل القرية والبادية ببساطته وبساطة البيئة من حوله يرى في العيد أياماً إستثنائية للفرح ، والسرور ويشعر بطعم العيد أكثر من غيره فمظاهر العيد في القرية كانت ولا تزال تختلف كثيراً عن مظاهر العيد في المدن.
كان أهل القرى والباديه قبل الإعلان عن العيد بأيام يجتمعون عند أحدهم على وليمة عشاء تسمى ( عشوة ) ، في هذه الليلة يتم تحديد مكان العيد ( الميعاد ) أو ( جناب العيد ) حيث يكون لزاماً على العوائل التي تسكن البادية تشد رحالها وتتوجه إلى مكان العيد وتنصب الخيام أوبيوت الشعر بجانب بعضهم البعض ويسمى ذلك ( مقطار العيد ) .
واليوم نرى أن هذه العادة لازالت باقية عند كثير من أهل القرى والقبائل حيث نجد أن أغلب الأسر يشدون الرحال من مختلف مدن المملكة قبل عيد الفطر ، ويتوجهون إلى قراهم ليقضون العيد بين أهلهم وذويهم ، حيث تبدأ مظاهر العيد مبكراً في القرية حيث يقوم بعض كبار السن بصناعة البارود( دق البارود ) الذي يستخدم بكثرة في إحتفالات العيد( التعشير ) حيث يوضع في البنادق (المفتل ) و ( المقمع) ويصنعونه من مادتين تسمى ( الملح ) و(الخفان ) ، يجلبونها من أسواق جدة أو الطائف ويخلطونها بفحم شجرة ( العشر) ، وكثيراً ماكان أطفال القريه يشاهدون أو يساعدون آبائهم في هذه الصنعه ، وعندما يعلن المذياع ( الراديو ) حلول عيد الفطر يقومون الكبار بإشعال فتيل بنادقهم والرمي بالرصاص في السماء إبتهاجاً بقدوم العيد ، ويحيون بعضهم بتبادل هذه الطلقات حتى تنتشر رائحة البارود في أجواء القرية ، ويبدأ الصغار بإطلاق ألعابهم النارية المتواضعة في تلك الفترة ( طراطيع أم عصفور ، نجوم الليل ) ، ومن لم يملك منهم مثل هذه الألعاب يقومون بإشعال النار في صريف النخل والجري بسرعه في طرقات القرية لكي ينطلق الشرار منها ليضئ جنح الظلام ، وكان أطفال القرية ينتظرون بشوق ولهفه خلال الأيام اللتي تسبق العيد قدوم الأهل والأقارب الذين يسكنون المدن ، لأنهم يجلبون لهم الكثير من الهدايا والملابس اللتي كانوا لايعرفونها إلا بواسطة أبناءهم والتي تبدو عليهم غريبة وجميلة ، ولاتنقطع فرحتهم بها طوال السنة ويبالغون كثيراً بالمحافظة عليها والتمسك بها حتى لو بليت !! ، وقد كانوا ينظرون لأطفال المدينة بكثيراً من الإحترام ويبالغون في تقدير هؤلاء الغرباء في أعينهم حتى لو كانوا يصغرونهم سناً ، وذلك لشعورهم بأنهم متحضرين وأكثر أناقة وجمال منهم أطفال القرية.
فالتعيس منهم في العيد هو ذلك الطفل الذي ليس له أخ أو أقارب يجلبون له مثل هذه الهدايا من المدن ، فعند بزوغ الفجر يتوجه الجميع إلى مصلى العيد الذي يقع في بطن الوادي بين النخل والجبل ، وهناك يختلط بياض الملابس مع بياض القلوب وتتمازج الذوات مع الأرواح ويتبادل الصغير والكبير التهاني والتبريكات.
وفي البيوت تقام وليمة الصباح ( الفطره ) التي تتكون غالباً من الرز الأبيض الممزوج باللبن والعدس الذي يقدم في صحن ،  يتوسطه وعاء سمن الغنم واللبن ( الغرسه) وفي بعض الأحيان يقدم المرقوق أو خبز الدخن بالسمن ( الفتة ).
وتقوم نساء القرية بالتنافس في إعداد الفطرة حيث يقوم الجميع بأكلها في كل بيت من بيوت القرية ، وثم يتوجهون إلى مقر العيد الرئيسي ( المعياد ) لاستقبال المهنئين بالعيد وتناول طعام الغداء.
ويستمر كرنفال العيد حيث يقام بعد صلاة العصر في كل يوم من أيام العيد ، سباق بين شباب القرية في إستخدام السلاح والبنادق في التصويب نحو الأهداف التي تسمى ( الشارة ) أو ( الشاح ) ، ويتم إشراك بعض الأطفال في هذا النوع من السباق لتقديم وإبراز من لديه موهبه منهم ، ويطلقون عليه اسم ( البواردي ).
وفي ليالي العيد تبدأ أهازيج الشعر وشعر المحاورة ويشترك فيه جميع شباب القرية حتى الأطفال ، وقديماً كان حتى النساء يشاركون في هذه الأهازيج وكان يسمى لعب ( الخليطي ) ، ويتم ترديد شعر المجالسي والمجارير وكذلك لعب الدارة ببنادق المقمع والمفتل والسيوف ، في جو يسوده الألفة والمحبة وغاية النقاء والصفاء.
ويتبادل في العيد أهل القرى والقبائل الزيارات فيما بينهم وكانوا غالباً ماينظمون شعر يسمى ( الزومال ) أو ( الحداية) يقومون بإلقائه بشكل جماعي ولحن جميل ويكون مضمونه غالباً يساعد في إصلاح خلاف أو جفوه بين أهل القرى ، أو يتضمن لغز أومعنى له أثر جميل على مجتمعهم.
ومن الأهازيج الجميلة التي يرددونها في ليالي العيد قولهم :
عسى عيدكم ياهل العيد عايد
تعيدون للعيد وتعيدونه
تمر السنه ولافقدتوا فقايد
ولامنكم اللي هله يفقدونه ..
وكذلك قولهم :
عسى حاضر الملك وابليس غايب
وأبليس مدفون تحت النصايب
وكذلك قولهم المشهور في وادي ساية :
ياللي مسند تبي الوادي
عطني معك ريش ليمونه
هذا بوح قليل من كثير عن العيد في القرية ، عندما كانت الحياة بسيطة وبعيدة عن الأفراح الرسمية وخالية من تعقيدات التحضر، ورزة البشت ورسمية الأشخاص ، ومع ذلك بقى للعيد طعم آخر في القرية ، لازال يتذوقه الرجال الأوفياء لأوطانهم والبسطاء في نظرتهم للحياة وبعبق لازال يفوح في ذاكرة طفولتهم.
وفي الختام أقول لكم :
عسى عيدكم يا هل العيد عايد
تعيدون للعيد وتعيدونه 

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

عبق من قرية

بين أصقاع الوادي ،ونسيم القرية ،وذاكرة السنين ..
قصة عشق كتبت على رمال الوادي الناعمة (البطحاء) وتبخرت أمانيها على نار أضرمت في ضلوع عاشق ..
كأنها جريد نخل يابس عندما يتحطم يسمع دويها غرباء لايعرفون ماضي حنينها مع ذلك العاشق!!!
ينادي بدر ليلتها المكتمل فلا يجد سوى الأصقاع يتردد فيها ضحكات ومسامرات من رحل …
ويجدني مع( شبة ضوء )    …
قد أسعرت نارها من هشيم النخل الذي كان يوما يحتضن كل الأحبة تحت ظلاله الوارفة  …
ومنزويا مع تلك الشعلة في ركن زمن لايعترف بحنين عاشق فقد روح معشوقته …
ولايسمع سوى صدى أحاديثه الماضية عندما تردد الذكرى بين جنبات ذلك الوادي…
وعندما يأتي نور الصباح تنبعث روح الحقيقة بصوت (شبه الأحياء)…
كبارالسن الذين يعيشون تكملة وقت زمن لايعترف بهم ..
تترد أصواتهم وأصوات حيواناتهم في أذن من قد أعيته الذكرى..
وبدأ يستنشق عبق الماضي لكي يستمر في الأمل …
ولايعود للحياة سوى الجسد وتبقى الذكرى تائهة في جنبات ذلك الوادي يحرسها كاهن الحياة!؟

مذكرات طفل



اليوم وحينما جمعتنا التقنية الحديثة كالواتساب، ومواقع التواصل الأجتماعي، برفقة أصدقاء الطفولة والدراسة وبعدما فرقتنا مسافات الزمن والمكان.
تذكرت ذلك الزمان الذي جمعتنافيه براءة الطفولة وطيش المراهقة، ومشاغبات الدراسة في ذلك المبنى المتواضع بين نخيل القرية وجنبات الوادي!
جمعتنا تسكعات الظهيرة بين سواقي وبرك القرية التي كانت بالنسبه لنا مسابح فاخرة هي و غدران الوادي عندما تسقط الأمطار!
كنا حينما نرتع في القرية لانترك طيوراً ترفرف جنحانها في نخيل القرية مهما كان نوعها كبر أم صغر ( صعو – زريزر- دويخش -فتيحه – نغري- شول – قوقص – قمري – صفري)
إلا وقد أطاح به سلاحنا الفتاك ( النبيلة ) أو (المنحته )
وياويلك يانغري لو تغرد !
ولا أنسى ترجمتنا الخاصه لبعض أصوات الطيور
منها صوت القمري (من سرق عكتي)!!
وصوت طائر البوم ( قلبك سقط )!!
وكأي فتى نشأ ما بين ترعات الوادي والنخل والساقي كنا حفاه  برغبتنا !!
لانحس بوقع الألم في أقدامنا إلا حينما تصبح أشواك النخل القاسية ( السّلاه) بين اللحم والعظم
ولا تزال أثارها بأقدامنا!!
لانعرف الأحذية إلا حينما نذهب للمدرسة
خوفاً من العقاب!
حتى كرة القدم لانجيدها بالأطقم المدرسية والجزمة الرياضية
فقط نستمتع بها حينما نكون حفاه!؟
كنا في موسم تلقيح النخل ( الأبار) تتهافت قلوبنا قبل أيدينا لكي يلقي لنا راقي ( متسلق) النخلة قلب النخلة الطري ( الجمار) لكي نستمتع بمذاقه الرائع !
وعندما يحين موسم الصيف وتنضج ثمار النخل لازلت أتذكر بعض شيطنتنا حينما نقطف الثمار وعندما يصير بلحاً أصفر ونضعه في بطحاء الوادي الناعمة وقت الظهيرة عند اشتداد الحر حتى ينضج بسرعة !!
ونتسابق في فصل الصيف وجني الثمار في جمع أكبر قدر ممكن من محصول التمر الخاص بنا سواء بالطرق الشرعية  (اللقط) لقط التمر تحت النخل أو التسلل خلسه دون علم أبائنا لتسلق النخل وأخذ حصتنا من التمر أو قذف العرجون بالحصا حتى يتساقط التمر ( الرطش) خصوصا وقت الظهيرة !!
وتبدى مغامرات الصيف والتخييم داخل القرية وقت قطف الثمار ( الجداد )  منذ ساعات الفجر الأولى حتى نعود منهمكين في المساء فوق تلك السيارة المحملة (بعراجين) التمر الطازجه حتى نضعه في مكان تجمع التمر بجانب المنزل ( الجرين)
وبين صباحات موسم الصيف ومساءاته
قصص وحكايات وربما روايات عشق
لاتكفي هنا السطور لكتابتها !
- قدر الغداء بحطب الصريف!
- وبراد الشاهي بنكه (ليف) النخله وجمرة الحطب!
- وعلب التونه والصلصل  ورائحة ( الكشنة ) عندما تنتشر بين النخل وسواقي الماء
- ووقت الأستحمام  في الهواء الطلق وقت الظهيرة  له مذاق خاص تحت  خرطوم الماء وربما نلقي بأجسادنا في الساقي وسط الطين والماء و تحت ( لي العزال الساخن ) !! بالنسبة لنا نحن الصغار.
وأما الكبار فأنهم داخل البرك عند خرطوم الماء الرئيسي الذي تجلبه المكائن الزراعية من داخل الآبار !!

اما اليوم كبرنا وكبرت معنا الحياة
فقد فرقتنا السبل وأحلام الشباب
و مقاعد العمل ورحلات العائلة ومتطلبات الحياة
كنافيما مضى بسطاء لانعرف التكلف والمظاهر المترفة
بسطاء بقدر بئتنا المتواضعة
والبعض منا لازال يحمل شيئاً من طفولته
والبعض الأخر بالكاد يتذكرها
والقليل أنسلخ منها تماماً !!
ما أجمل أن نكون
ماضياً
وحاضراً
ومستقبلاً
ولانكون كالذي سلخ ماضيه
وأخذ يبحث له عن وجه جديد لكل مرحلة !!
أما أنا فأحاول أن أجاهد نفسي لكي يبقى مني شيءٌ من تلك الحقبة
ولكنني الآن اتسكع في قريتي للأسف لم يعد بها ساقي أو بركة  ماء!
لم يعد نخلها متشابك وظليل !
ولم يعد النغري يغرد بها كما كان رغم السكون والهدوء الصامت وعدم وجود (النبالة )!!
ولم يعد يسمر بها سامر !
فقد أصبحت بئر معطلة وقصر مشيد
وحتى بطحائها الناعمة أصبحت خشنة وأنكرتني !
ولم أعد أجد رفقتي تتجول معي!!
ومع هذا يبقى عبق قريتي يفوح في ذاكرتي ويزيدني شوقاً وحنينا
ولا أقول إلا كما قال أبو تمام :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
                    ما الحب الا لحبيب الاول
..وكم من منزل يؤلفه الفتى
                 وحنينه أبدا لأول منزل