الأحد، 5 يونيو 2022

 ( التصْفيق والعُرقَة)


التصفيق في قرى وبوادي الحجاز ، وفي أغلب الحواضر الزراعية في المملكة العربية السعودية  هو تصفيق الأرض المحروثة  وتقليب بعضهما على بعض وجعلها مهيأه للزراعة .

و عملية التصفيق كانت وظيفة يعطي المزارعين عليها أجر تسمى ( العرقة)

ويقال فلان أعطى فلان عرقة مقابل تصفيق أرضة  ( الحوج ، البقع ، الحاض ، الركيب)

جاء في المعاجم :

و اصْطَفَقَ الشيءُ: اضطرب وتحرك!

فهي مأخوذه من هذا المعنى بمعنى تحريك التربة من مكان إلى أخر ، وجاء ما يؤيد هذا المعنى بشكل جلي في القاموس المحيط  في  شرح مادة  ((تَصْفيقُ: التَّقْليبُ، وتَحويلُ الشَّرابِ من إِناءٍ إلى إناءٍ مَمْزوجاً ليَصْفُوَ، كالصَّفْقِ والإِصْفاقِ، والضَّرْبُ بِباطِنِ الراحَةِ على الأُخْرَى، وتَحْويلُ الإِبِلِ مِن مَرْعىً إلى آخَرَ))

وأما  العرقة فقد جاءت في المعاجم  لمعاني كثيرة منها معنى النفع والثواب 

تقول العرب: اتخذت عنده يدا بيضاء، وأخرى خضراء، فما نلت منه عرقا، أي: ثوابا.

وجاء في تاج العروس الزبيدي :

((والعرق: هو النفع والثواب، تقول العرب: اتخذت عنده يدا بيضاء، وأخرى خضراء، فما نلت منه عرقا، أي: ثوابا

وأنشد الحارث بن زهير العبسي يصف سيفا:

سأجعله مكان النون مني 

وما أعطيته عرق الخلال 

يقول: لم أعطه للمخالة والمودة ، كما يعطي الخليل خليله، ولكني أخذته قسرا))

فصفقوا ،، بدون عُرقة!!😁

واعتزوا،  وافتخروا بلهجات الأباء والأجداد ، ورددوا تلك الكلمات والمصطلحات الضاربة بجذورها في إعماق ثقافتنا ولغتنا العربية الأصيلة.

……..

كتب / مهدي نفاع بن مسلم القرشي 

١٤٤٣/١١/٥

الطائف - الهدا

الأحد، 22 مايو 2022

 

لعبة (كودي كودي ) الشعبية للجالية البلوشية في وادي فاطمة ، نموذج حي للرواسب الثقافية أثناء الهجرات السكانية !!

تمثل بعض الألعاب الشعبية في مختلف الثقافات والشعوب عبر العصور والأزمنة السابقة  تدريباً على خوض الحروب من خلال المواجهات التي تتم داخل نطاق جغرافي أو قلبي ضيق ( داخل القبيلة نفسها )!!              وقد أوضحت بعض الدراسات الانثروبولوجية أن سلوك اللعب عند البشر تطور لصقل المهارات الضرورية للبقاء على قد الحياة ، أو حماية السكان والمكان، والتكيف الأمني والغذائي مع البيئة المحيطة ، فطقوس وسير وأنماط  الألعاب الشعبية والرقص عند مختلف الشعوب والحضارات تاريخ يوثق لحياة إنسان تلك الشعوب ، لذا فقد ارتبطت تلك الطقوس بحياة وأحداث الانسان من زواج ، و ولادة ، وحرب ، وسلام ، ومرض ، وشفاء وكذلك ارتبطت بالدين والطقوس التعبدية ، وتحولت هذه الطقوس عبر آلاف السنين إلى نوع من أنواع الترفيه والتسلية تقام في المناسبات والاعياد !

لقد تذكرت كل ذلك عند مشاهدتي  للأحد الألعاب الشعبية عند قبيلة البلوش الباكستانية في وادي فاطمة ، واستحضرت أيضاً كثيرا من الحوارات والنقاشات التي شاهدتها وسمعتها تدور مؤخرا حول أصول وجذور بعض الألعاب الغنائية الشعبية !!

وكذلك  تشابهه بعض الألعاب الشعبية عند بعض القبائل التي لا ترتبط بوحدة نسب أو وحدة جغرافية قريبة نوع ما ، تجعلها مسببا لذلك التشابه،مما ينبئ عن ترسب ثقافي لازال واضح للعيان بسبب الهجرات والتداخل القبلي الذي حدث في فترة زمنية قريبة نوعاً ما !!

كل ذلك جال في خاطري في أحد المساءات الباردة  في فصل الشتاء الفائت ، فقد  دعيت إلى حفل زواج للجالية الباكستانية  من قبائل البلوش الذين يعملون في الفلاحة والزراعة في أعالي وادي مر الظهران  تحديداً  في القوبعية ( وادي بني عمير ) ، وكنت حريص على توثيق أحد ألعابهم الشعبية التي ظلوا متمسكين بها ولا زالوا شبابهم يلعبونها بحماس وهي لعبه ( كودي كودي) أو ( قودي قودي )

وتتمثل هذه اللعبة في فريقين متقابلين يقوم مهاجم من أحد الفرق بلمس أحد الأفراد من الفريق الاخر ومن ثم العودة بسرعة قبل أن يتم الإمساك به أو عرقله وصوله لخط فريقة ، وطول فتره مهاجمته يردد ( كودي كودي او قودي قودي )

بينما يحرص الفريق المدافع على إعاقة وطرح الفرد المهاجم لهم أرضا وتثبيته، ونفس العمل يقوم به المهاجم لمن أراد توقيفة!!

بحث عن مسمى هذه اللعبة عند البلوش في كتاب الألعاب الشعبية البلوشية للباحث شاهين البلوشي ووجدتها يسميها  بلعبة المراوغة ( بازوري، كاتور)

بينما سموها لي هؤلاء البلوش الكرماء -الذين أصروا على استضافتي ومشاركتي لهم فعاليتهم وسمحوا لي بالتوثيق والتصوير -بمسمى اللفظة التي يرددونها أثناء ممارسة اللعبة (كودي كودي )-

وقد أعجبني شدة تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم التي لازال يؤديها شبابهم بكل فخر واعتزاز وهو بعيدين عن أوطانهم!!

كما أعجبتني هذه اللعبة اللي تعتمد على مبادئ ومعاني سامية غير قوة التحمل واللياقة البدنية والجسارة!!

فهي تعتمد أيضا على الخفة، والمراوغة، وتقدير الخصم، والعمل الجماعي، ومعرفة نقاط الضعف والقوة عند الخصم، والانضباط، والتوقيت الزمن المناسب للهجوم أو الأحجام عنه!!

ورغم شدة الحماس والاقتحامات العنيفة بعض الشيء التي مارسها هؤلاء البلوش على بطحاء وادي مر الظهران الناعمة ، فقد رأيتهم يقابلون ذلك فيما بينهم برحابة صدر، وابتسامه وضحك، أيضاً كانوا حرصين على التقيد بتوجيهات الحكم ، وتفاعل مع جمهورهم الذي يبادلهم أيضا نفس الشعور والتعليقات والصيحات التشجيعية وخاصة من كبار السن !!

أمام هذا كله عادة بي الذاكرة لكثير من كتابات الباحثين عن الأنثروبولوجيا والهجرات البشرية ومصطلح الرواسب الثقافية التي عرفها  (تايلور ) (( بأنها العمليات الذهنية والأفكار والعادات وأنماط السلوك والآراء والمعتقدات القديمة التي كانت سائدة في المجتمع في وقت من الأوقات بسبب ظروف وأسباب معينة، والتي ما يزال يحافظ عليها المجتمع ويتمسك بها بعد أن انتقل من حالته القديمة إلى حالة جديدة واختلفت فيها الظروف عما كانت عليه في الحالة الأولى )) { محمد جواد كاظم : مدخل لدراسة الرقص الشعبي على ضوء الأثنوجرافيا، مجلة التراث الشعبي }

أقول:

ان دراسة تاريخ وثقافة الشعوب والقبائل لا ينفك كثير عن موروثها الشعبي وتقاليدها وعادتها ((ورواسبها الثقافية)) التي تظل تمارسها وتتمسك بها أينما حلت وحطت ركائبها!!

 فكم حدثت من هجرات وتنقلات بشرية في مختلفة الأزمنة والعصور، وتركت هذه الهجرات على خط عبورها خيوط اتصال من خلال هذه الترسبات الثقافية، تربط ما بين المنبع وما بين المصب لهذه الهجرات والتنقلات البشرية!!

وما لعبة ( الكودي كودي ) التي يمارسها هؤلاء البلوش في (بطحاء ) وادي مر الظهران وهم يبعدون آلاف ومئات الأميال عن موطنهم الأصلي الا مجرد مثال بسيط لمثل هذه الهجرات ، ومثال واضح لتشابه كثير من الرواسب الثقافية بين الشعوب وربما القبائل في المناطق والأقاليم المتقاربة أو المتباعدة !!

فلو استوطنت هذه الفئة بشكل دائم في هذا الوادي فماذا سوف يقال عنهم وعن مورثهم وعاداتهم وتقاليدهم التي سوف تندمج تلقائيا مع الموروث والرواسب الثقافية المحيط بهم بعد استقرارهم بمائة سنة أو أقل !!

وماذا سوف يقال عن تشابه موروثهم مع مواطنهم الأصلية أيضاً بعد مرور مئات السنين من هجرتهم !؟

وماذا سوف يحدث وينتج عن اندماج هذه الثقافات وانصهار بعضها ببعض !؟

كل هذه التساؤلات تنتظر إجابات بحثية جادة غير تقليدية ، في ضوء أذا عرفنا أن وادي فاطمة يضرب بجذوره في أعماق التاريخ الإنساني في جزيرة العرب منذ عصور ما قبل التاريخ  ، حيث أثبتت التنقيبات التي قامت بها البعثات الأثرية وجود حضارة تمثل العصر الأشولي والموستيري في هذا الوادي العريق(مجلة أطلال-العدد المنشور في عام 1400ه-التقريرالمبدئي عن مسح المنطقة الغربية ) وقد ذكر الباحث بدر ستير اللحياني  أن وادي فاطمة هو منشأ رئيسي للهجرات في معظم أجزاء جزيرة العرب ،وربط ذلك بتشابه المكتشفات الاثرية في وادي فاطمة في العصور الحجرية ،مع موقع صفاقة في وسط الجزيرة العربية ، وكذلك ربطها بعوامل الجذب البشرية التي أهمها توفر المياه الدائمة في هذا الوادي !

فكم من هجرات وتنقلات بشرية عبر العصور استقرت واستوطنت عبر مئات وألاف السنين في وادي فاطمة وغيرها في مناطق الجزيرة العربية فتركت خلفها أو حملت معها العديد من حلقات ورموز اتصال مبهمة وغامضة التي تحتاج إلى ( بحث وتحقيق) و إلى  دراسات أنثروبولوجي جادة وشجاعة في هذا الحقل ودراسة كثير من مظاهر تشابه تلك  الترسبات الثقافية !؟

 

كتبها/

مهدي نفاع بن مسلم القرشي- مكة المكرمة

٢٢ شوال ١٤٤٣

الأحد، 24 يناير 2021

ثنية لفت ( عقبة السكر ) وصناعة السياحة في محافظة خليص


 



ثنية لفت : وتسمى أيضاً بعقبة السويق ، أو عقبة السكر ثنية تقع على حرة  تفصل بين خليص و قديد من أشد العقبات على طريق الحجالنبوي ، وذلك ؛ بسبب حجارة الحرة السوداء والرمال المتراكمة عليها ، وسميت بعقبة السويق وعقبة السكر لأن ؛الحجاج كانوا يُسقون فيهاالسويق والسكر المذاب.

سلك هذه الثنية   -على مر التاريخ الأنبياء والرسل ، وسلكها الرسول -صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، كما عبرتها قوافل الحجيجمن الشام ومصر والرحالة من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وعلى ظهر هذه العقبة موضع مصلى قيل أنه مصلى للرسول -صلى الله عليهوسلموكان طريق هذه العقبة  منقّى من حجارة الحرة ومبني بجدران على جانبه لمنع دخول الرمال وحمايته منها،  ولا تزال آثار هذا الطريقوالمسجد  باقية حتى هذه اللحظة .

للأسف آثار هذه الجدران والطريق والمسجد على هذه العقبة تكاد تراكم الرمال المتحركة تخفيه وتبتلعه ، ويختفي هذا الأثر الإسلامي العريقمع مرور الوقت اذا لم تمتد يد العناية والأهتمام به، وقد زرت هذه العقبة أكثر من مرة ؟ ونلاحظ في كل مرة اختفاء جزء من طريق وآثار هذهالعقبة تحت الكثبان الرملية .

 أسأل ويتسأل غيري الكثير  لماذا يعاني هذا الأرث التاريخي كل هذا الأهمال ، حيث لا طريق ممهد له ، ولا تصل له  إلا سيارات الدفعالرباعي وبصعوبة بالغة عبر الكثبان الرملية ، والعقوم الترابية التي أقامها البعض وربما يأتي  يوما ما  وتغلق هذه العقوم العشوائية هذاالطريق أيضاً ، فتختفي أثار هذه العقبة بين جور الطبيعة وعبث وأهمال الأنسان ، وعلى الرغم أن أقرب طريق معبد له لا يبعد سوى ٢ كيلو ! علاوة على أن لا لوحات أرشادية أو إعلامية تشير أو تذكر هذه الثنية أو غيرها من المواقع والمعالم السياحية الكثيرة ذات العمق الحضاريالمتنوع  في محافظة خليص .

إلا يعد هذا الأثر معلمًا أثرياً يجب الاهتمام به من قبل المسؤولين في البلدية والسياحة  في محافظة خليص ومنطقة مكة المكرمة!!

وأنا في حديثي هذا أوكد على  ما أكدت علية  رؤية المملكة 2030  في العمل على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديموتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهداً حياً على إرثنا العريق وعلى الدور الفاعل، والموقعالبارز على خريطة الحضارة الإنسانية!!

وفي ضوء ذلك  فقد رأيت وشاهدت في بعض  مدن وطني المملكة العربية السعودية أثناء جولاتي السياحية ، الاهتمام الكبير في هذا المجالبما يوافق هذه الرؤية المباركة ، ورأينا ترميم بعض المواقع الأثرية وزيادة الاهتمام بها وإعادة تأهليها لإستقبال الزوار وصناعاتها سياحيًا ،وتسليط الأضواء الإعلامية عليها  ، والتسويق لها، وأبراز التاريخ الثقافي والمادي لسكان هذه المدن ، وخير مثال على ذلك إعادة إحياء بعضالمواقع والحصون والأثار التاريخية في عسفان ، بجهود ذاتية من قبل بلدية عسفان والجهات الحكومية وتكاتف المهتمين بالسياحة والأثار فيعسفان للأبراز أرثها الثقافي والمادي والأحتفاء به  !!

وهنا لا بد أن أشير وأثني على جهود اللجنة الثقافية برئاسة الاستاذ عبدالرحيم الصبحي  بمحافظة خليص  عندما أقامت قبل سنتين لقاءعن تاريخ وحضارة خليص استقطبت فيه عدد من الباحثين والأعلاميين والمهتمين بالآثار والسياحة ، ألقت فيه الضوء على إبراز  المعالمالسياحية والمواقع الأثرية  في محافظة خليص ورصدت وسجلت عدد من التوصيات والنقاط لرفعها لجهات الإختصاص لحماية هذه الاثاروتفعيل دورها في عملية التنشيط وصناعة السياحة في محافظة خليص ، لكن لا أدري ما آلت إلية تلك التوصيات والمقترحات ؟كما أننا لمنرى لها أثر على أرض الواقع السياحي في المحافظة ، حيث يمر الزائر للمنطقة ولا يلفت انتباهه ما يشده  أو يرشده إلى تلك المناطق والمواقعالأثرية ذات العمق الحضاري والطبيعي .

إن محافظة خليص تقع على طريق حيوي يسلكه حجاج وزوار بيت الله الحرام ، وهو طريق مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وبالإمكان استغلال  ميزة الموقع ، ومرور حجاج بيت الله الحرام ، وبما تمتلكة خليص من مواقع أثرية دينية وتاريخية وطبيعة متنوعة  بصناعة سياحة متميزة فيمحافظة  خليص وإعادتها لسابق عهدها  كمحطة استراحة سياحية وترفيهية  للحجاج في ظل هذه العناصر والدعم اللامحدود للقطاعالسياحي في ظل قيادة أميرنا المحبوب محمد بن سلمان ورؤيته العظيمة2030.


مهدي نفاع القرشي - باحث في التاريخ والآثار  -مرشد سياحي

مكة المكرمة - النوارية

١١ جماد الثانية ١٤٤٢

الأربعاء، 3 يونيو 2020

(المُكاء طائر أم سالم )

قال تعالى (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً))[الأنفال:35]؟
جاء عند المفسرون أن المكاء هو الصفير، و التصدية: التصفيقو المكاء: طائر من نوع القنابر.

وقالو منه : مكا يمكو مَكوًا ومُكاءًوقد قيل: إن " المكو ": أن يجمع الرجل يديه، ثم يدخلهما في فيه، ثم يصيح.
وجاء في لسان العرب وغيره من معاجم اللغة: 
والمُكَّاء، بالضم والتشديد: طائر في ضرب القُنْبُرةِ إِلا أَن في جناحيه بَلَقاً، سمي بذلك لأَنه يجمع يديه ثم يَصْفِرُ فيهما صَفِيراً حسناً.

وهو طائر يأْلَف الرِّيف والبراري الفسيحة، وجمعه المَكاكِيُّ ، وسمي بذلك -كما ورد في مقاييس اللغة لابن فارس  لأنه يمكو أي يصفر، والمكاءفي اللغة هو الصفير وقال الشاعر:
إذا غرد المكاء في غير روضة
فويل لأهل الشاء والحمُراتِ
ويقصد الشاعر بذلك الجدب، لان المكاء يألف الرياض، فإذا أجدبت الأرض سقط في غير  روضة، وغرد، فالويل حينئذ لأهل الشاء والحمر.

ويقول أمرؤ القيس:

وأَلْقَى بِصَحْـرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَـهُ

نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المُحَمَّلِ

كَأَنَّ مَكَـاكِيَّ الجِـوَاءِ غُدَّبَـةً

صُبِحْنَ سُلافاً مِنْ رَحيقٍ مُفَلْفَـلِ

 وطائر المُكاء كما جاء في المعاجم هي التي تعرف في عاميتنا بأم سَالِم في أنحاء كثيرة من المملكة العربية السعودية وتسمى في نواحينجران حتى الان بالمكاكي.
وهي التي ترتفع وتنخفض في طيرانها ، وأسمها العلمي كماذكرته بعض المصادر العلمية المتخصصة  (القبرة الهدهدية).

ويقول الشاعر الجاهلي الشنفرى وهو يصف طريقة طيران المُكاء وهو ماينطبق على طريقة أم سالم في الطيران:
ولا خرق هيق كأن فؤاده 
يظّل به المكاء يعلو ويسفل 
ويوافق وصف الشنفرى قول شاعرنا الشعبي المعاصر  مرير الحبيل العتيبي:

أشهد إن البر يااهل ألوفا ماله مثيل
يبهج الخاطر وينعشك نفحات إنسمه
‏.
وام سالم صوتها يبري القلب العليل
ترتفع والها نغمه ترتخي والها نغمه

 وذكر ذلك الوصف إيضاً على طائر أم سالم  -الذي يسمى عند بعض  نواحي نجد بأم صالح - حيث قال الشاعر شقير بن عقيل العتيبي:
ما فيها غير الطيور تصج وتلالي
               مع شقة النور والأصوات مسحوبة

 فيها أم صالح تجر الصوت موالي
                 تطلع وتنزل تقول بسلك مجذوبة


 وكان العرب يتفاءلون اذا رأوا طير أم سالم  ، فقد أسماها أبو زيد الهلالي  بطير الفلاح ، حيث قال عند رحيل بني هلال من نجد:

يا نجد لو ان الجفا منك مرة

صبرت لكن الجفا منك دايم

سرنا على هجن قد انقاد حيها

وعرض لنا طير الفلاح أم سالم

كما أن بعض البادية في جنوب المملكة العربية السعودية يتباشرون بالحيا ونزول المطر  عند سماع أصوات طائر ام سالم ( المكيكي ) فيقولشاعرهم :

ياعم أنا جاني بشيرٍ من الحيا
‏       صوت المكيكي واختلاف الهبايب

وبسبب صوتها و تصفيرها الجميل  الذي تطلقه أم سالم  خاصة في أوقات الربيع بالقرب من قطعان الماشية ينجذب الرعاه نحوها  بغيهالاستمتاع بصوتها أو الرغبة في صيدها لكن بالرغم من قربها منهم تظل حذرة وتطير من بقعه إلى أخرى فتليهيهم عن الرعي ويتيهون عنقطعانهم  وماشيتهم فأطلقوا عليها تجاوزا مسمى ( ملهية الرعان ) ولا يقتصر ألهاؤوها على الرعيان فقط ، فقد  يتحول الركبان وينزلون عنظهور جمالهم وخيولهم رغبة في مساهدتها ومطاردتها ، فجاء المثل الشعبي بالقول ( أم سالم محولت الراكب ومتيهت الراعي ).
وبسبب صوتها الجميل فإن أم سالم قد استباح دمها  في فترة من الفترات التي مرت على نجد بعض غلاة الدين والتنطع ، واستحبوا  قلتهالأنها تغني وخصوصا وقت صلاتهم !!
قال الشاعر :
يا أم سالم لاتجين منافقية
ترفعين الصوت من فوق المباني
ثم يجيك مطوع ببندقية
ييتم عيالك ويقول الله هداني

 وقد جاءعن أم سالم  في القصص والأساطير الشعبية إن النملة أتت في يوم من أيام الربيع تطلب من أم سالم المساعدة في تجميعالحبوب والبذور فرفضت أم سالم المعروفة بكثرة تغريدها في فصل الربيع بقولها: (يوم من طربي يسواك يا معزوقة الذنبي) ، ولما قل النبتوحل الجدب وأشتد الجوع على أفراخ أم سالم ذهبت متسولة تطلب شيئاً من الحبوب المخزونة لدى النملة التي أبت قائلة: (يوم التعببالحصايد ملهيك الطرب والقصايد).


 وهناك طيوراً أخرى من نوع فصيلتها  يتشابه معها في كثير من خصائصها مثل ملهي الرعيان ،( والقوقصة التي ترتفع وتنخفض -أيضاً - في طيرانها) وما نسميه في بئتنا المحلية في محافظة الكامل با(الرهيدي) فهو قريب منها في الشكل وفي صفة عدم الاكثراث بمن يقترب منه.

كتبمهدي نفاع بن مسلم القرشي

مكة المكرمة
 ١٠شوال ١٤٤١ه